فصل: ومن باب تقام الصلاة ولم يأت الإمام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب في الإقامة:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن أيوب، عَن أبي قلابة عن أنس قال أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وحدثنا حميد بن مسعدة حدثنا إسماعيل عن خالد الحذاء، عَن أبي قلابة عن أنس مثل حديث وهيب قال إسماعيل فحدثت به أيوب فقال إلا الإقامة.
قلت: قوله: «أمر بلال أن يوتر الإقامة» يريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو البذي أمره بذلك والأمر مضاف إليه دون غيره لأن الأمر المطلق في الشريعة لا يضاف إلاّ إليه. وقد زعم بعض أهل العلم أن الآمر له بذلك أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما وهذا تأويل فاسد لأن بلالا لحق بالشام بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف سعد القَرظ على الأذان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: في رواية إسماعيل عن أيوب إلاّ الإقامة، يريد أنه كان يفرد ألفاظ الإقامة كلها إلاّ قوله قد قامت الصلاة فإنه كان يكرر مرتين وعلى هذا مذهب عامة الناس في عامة البلدان إلاّ في قول مالك فإنه كان يرى أن لا يقال ذلك إلاّ مرة واحدة، وهكذا يروى في أذان سعد القرظ. وقد اختلفت الروايات عنه في ذلك أيضًا، وفي هذا الباب سنة أخرى وهي أن المؤذن يقعد قعدة بين الأذان والإقامة. وقد ذكره أبو داود في حديث ابن أبي ليلى في قصة الصلاة وأنها أحيلت ثلاثة أحوال، قال: وحدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد هممت أن آمر رجالا يقومون على الآطام ينادون الناس بحين الصلاة وذكر قصة رؤيا عبد الله بن زيد إلى أن قال رأيت رجلا عليه ثوبان أخضران فقام فأذن ثم قعد قعدة ثم قام الحديث. الآطام جمع الأطم وهي كالحصن المبني بالحجارة».

.ومن باب رفع الصوت:

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر النمَري حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عثمان، عَن أبي يحيى، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس».
قلت: مدى الشيء غايته والمعنى أنه يستكمل مغفرة الله إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت.
وقيل فيه وجه آخر وهو أنه كلام تمثيل وتشبيه يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو تقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ تلك المسافة لغفرها الله له.
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك، عَن أبي الزناد عن الأعرج، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه».
التثويب هنا الإقامة والعامة لا تعرف التثويب إلاّ قول المؤذن في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم. ومعنى التثويب الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه. وأصله أن يلوح الرجل لصاحبه بثوبه فيديره عند الأمر يرهقه من خوف أو عدو، ثم كثر استعماله في كل إعلام يجهر به صوت، وإنما سميت الإقامة تثويبا لأنها إعلام بإقامة الصلاة والأذان إعلام بوقت الصلاة.

.ومن باب ما يجب على المؤذن من تعهد الوقت:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن فُضيل حدثنا الأعمش عن رجل، عَن أبي صالح، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم ارشد الأئمة واغفر للمؤذنين».
قوله: «الإمام ضامن» قال أهل اللغة الضامن في كلام العرب معناه الراعي والضمان معناه الرعاية قال الشاعر:
رعاكِ ضمان الله يا أم مالك ** ولله أن يشقيك أغنى وأوسع

والإمام ضامن بمعنى أنه يحفظ الصلاة وعدد الركعات على القوم، وقيل معناه ضامن الدعاء يعمهم به ولا يختص بذلك دونهم، وليس الضمان الذي يوجب الغرامة من هذا في شيء، وقد تأوله قوم على معنى أنه يتحمل القراءة عنهم في بعض الأحوال وكذلك يتحمل القيام أيضًا إذا أدركه راكعا.

.ومن باب أخذ الأجر على الأذان:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا سعيد الجريري، عَن أبي العلى عن مطرف عن عبد الله عن عثمان بن أبي العاص أنه قال: «يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: أنت إمامهم واقتدِ بأضعفهم واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا».
قلت: أخذ المؤذن الأجر على أذانه مكروه في مذاهب أكثر العلماء وكان مالك بن أنس يقول لا بأس به ويرخص فيه وقال الأوزاعي الإجارة مكروهة ولا بأس بالجعل وكره ذلك أصحاب الرأي ومنع منه إسحاق بن راهويه.
وقال الحسن أخشى أن لا تكون صلاته خالصة لله وكرهه الشافعي وقال لا يرزق الإمام المؤذن إلاّ من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مرصد لمصالح الدين ولا يرزقه من غيره.

.ومن باب الأذان قبل دخول الوقت:

قال أبو داود: نا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب المعنى قالا: حَدَّثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر «أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد قد نام قال أبو داود لم يرو هذا الحديث عن أيوب إلاّ حماد بن سلمة».
قوله: «ألا إن العبد نام» يتأول على وجهين أحدهما أن يكون أراد به أنه غفل عن الوقت كما يقال نام فلان عن حاجتي إذا غفل عنها ولم يقم بها. الوجه الآخر أن يكون معناه أنه قد عاد لنومه إذا كان عليه بقية من الليل يعلم الناس ذلك لئلا ينزعجوا عن نومهم وسكونهم، ويشبه أن يكون هذا فيما تقدم من أول زمان الهجرة فإن الثابت عن بلال أنه كان في آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن بليل ثم يؤذن بعده ابن أم مكتوم مع الفجر. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم».
وممن ذهب إلى تقديم أذان الفجر قبل دخول وقته مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق. وكان أبو يوسف يقول: بقول أبي حنيفة في أن ذلك لا يجوز ثم رجع فقال لا بأس أن يؤذن للفجر خاصة قبل طلوع الفجر اتباعا للأثر. وكان أبو حنيفة ومحمد لا يجيزان ذاك قياسا على سائر الصلوات وإليه ذهب سفيان الثوري.
وذهب بعض أصحاب الحديث إلى أن ذلك جائز إذا كان للمسجد مؤذنان كما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأما إذا لم يؤذن فيه إلاّ واحد فإنه لا يجوز أن يفعله إلاّ بعد دخول الوقت، فيحتمل على هذا أنه لم يكن لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي نهى فيه بلالا إلاّ مؤذن واحد وهو بلال ثم أجازه حين أقام ابن أم مكتوم مؤذنا لأن الحديث في تأذين بلال قبل الفجر ثابت من رواية ابن عمر.

.ومن باب تقام الصلاة ولم يأت الإمام:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن علي السدوسي حدثنا عون بن كهمس عن أبيه كهمس قال قمنا بمنى إلى الصلاة والإمام لم يخرج فقعد بعضنا فقال لي شيخ من أهل الكوفة ما يقعدك قلت ابن بريدة قال هذا السَمودُ فقال الشيخ حدثنا عبد الرحمن بن عَوسجة عن البراء بن عازب قال كنا نقوم في الصفوف عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا قبل أن يكبر وذكر الحديث.
قلت: السمود يفسَّر على وجهين أحدهما أن يكون بمعنى الغفلة والذهاب عن الشيء يقال رجل سامد هامد أي لاه غافل. ومن هذا قول الله تعالى: {وأنتم سامدون} [النجم: 61] أي لاهون ساهون، وقد يكون السامد أيضًا الرافع رأسه.
قال أبو عبيد ويقال منه سَمَدَ يَسمِدُ ويسمد سمودا وروي عن علي أنه خرج والناس ينتظرونه قياما للصلاة فقال ما لي أراكم سامدين.
وحكي عن إبراهيم النخعي أنه قال كانوا يكرهون أن ينتظروا الإمام قياما ولكن قعودًا ويقولون: ذلك السَّمود.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: «أقيمت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نجيّ في جانب المسجد فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم».
قوله: نجي أي مناج رجلا كما قالوا نديم بمعنى منادم ووزير بمعنى موازر، وتناجى القوم إذا دخلوا في حديث سر وهم نجوى أي متناجون.
وفيه من الفقه أنه قد يجوز له تأخير الصلاة عن أول وقتها لأمر يحزبه.
ويشبه أن يكون نجواه في مهم من أمر الدين لا يجوز تأخيره وإلا لم يكن ليؤخر الصلاة حتى ينام القوم لطول الانتظار له والله أعلم.

.ومن باب التشديد في ترك الجماعة:

قال أبو داود: حدثنا هارون بن عباد حدثنا وكيع عن المسعودي عن علي بن الأقمر، عَن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن فإنهن من سنن الهدى وإن الله تعالى شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سنن الهدى ولقد رأيتنا وإن الرجل ليهادى بين رجلين حتى يقام في الصف وما منكم من أحد إلاّ وله مسجد في بيته ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم.
قوله: ليهادى بين رجلين أي يرفد من جانبيه ويؤخذ بعضديه يتمشى به إلى المسجد. وقوله: لكفرتم أي يؤديكم إلى الكفر بأن تتركوا شيئا منها حتى تخرجوا من الملة.
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن عاصم بن بهدلة، عَن أبي رزين عن ابن أم مكتوم «أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رجل ضرير البصر شاسع الدار ولي قائد لا يلاومني فهل من رخصة أن أصلي في بيتي قال فهل تسمع النداء؟ قال نعم. قال: لا أجد لك رخصة».
قوله: لا يلاومني هكذا يروى في الحديث والصواب لا يلايمني أي لا يوافقني ولا يساعدني، فأما الملاومة فإنها مفاعلة من اللوم وليس هذا موضعه.
وفي هذا دليل على أن حضور الجماعة واجب ولو كان ذلك ندبا لكان أولى من يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم.
وكان عطاء بن أبي رباح يقول ليس لأحد من خلق الله في الحضر والقرية رخصة إذا سمع النداء في أن يدع الصلاة. وقال الأوزاعي لا طاعة للوالدين في ترك الجمعة والجماعات سمع للنداء أو لم يسمع. وكان أبو ثور يوجب حضور الجماعة، واحتج هو أو غيره ممن أوجبه بأن الله سبحانه أمر أن يصلى جماعة في حال الخوف ولم يعذر في تركها فعقل أنها في حال المن أوجب.
وأكثر أصحاب الشافعي على أن الجماعة فرض على الكفاية لا على الأعيان وتأولوا حديث ابن أم مكتوم على أنه لا رخصة لك إن طلبت فضيلة الجماعة وأنك لا تحرز أجرها مع التخلف عنها بحال.
واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة».
قال أبو داود: حدثنا هارون بن زيد، عَن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن أم مكتوم. «قال يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح فحي هلا».
قوله: «حي هلا» كلمة حث واستعجال قال لبيد:
ولقد تسمع صوتي حيّ هل

.ومن باب المشي إلى الصلاة:

قال أبو داود: حدثنا أبو توبة حدثنا الهيثم بن حميد عن يحيى عن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن، عَن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلاّ إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين».
تسبيح الضحى يريد به صلاة الضحى وكل صلاة يتطوع بها فهي تسبيح وسبحة. وقوله: «لا ينصبه» معناه لا يتعبه ولا يزعجه إلاّ ذلك وأصله من النصب وهو معاناة المشقة يقال أنصبني هذا الأمر وهو أمر منصب ويقال أمر ناصب أي ذو نصب كقول النابغة:
كليني لِهَمًّ يا أميمة ناصبِ

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عَن أبي صالح، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلاّ الصلاة لا ينهزه إلاّ الصلاة لم يخط خطوة إلاّ رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد».
قوله: «لا ينهزه» أي لا يبعثه ولا يشخصه إلاّ ذلك، ومن هذا انتهاز الفرصة وهو الانبعاث لها والمبادرة إليها.

.ومن باب الهدي في المشي إلى المساجد:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري أن عبد الملك بن عمر حدثهم عن داود بن قيس حدثني سعد بن إسحاق حدثنا أبو ثمامة الخياط أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد أدرك أحدهما صاحبه قال فوجدني وأنا مشبك يدي فنهاني عن ذلك وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يده فإنه في صلاة».
قلت: تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضها في بعض والاشتباك بها. وقد يفعله بعض الناس عبثا وبعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجده من التمدد فيها، وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيديه يريد به الاستراحة وربما استجلب به النوم فيكون ذلك سببا لانتقاض طهره فقيل لمن تطهر وخرج متوجها إلى الصلاة لا تشبك بين أصابعك لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها لا يلائم شيء منها الصلاة ولا يشاكل حال المصلي.